اليد الأوروبية على الزناد ..ماذا تعني عودة العقوبات الأممية لإيران؟

بعد عشر سنوات من إبرام الاتفاق النووي، بدلا من أن تنال إيران الجائزة المتمثلة في رفع ملفها من مجلس الأمن نهائيًا، إذا بها تواجه خطر عودة كل العقوبات الدولية دفعة واحدة، ولا عجب، فلم يتم الالتزام بالاتفاق خلال أغلب تلك الفترة، ورأت الأطراف الأوروبية أنها لا تستحق الجائزة.
ففي عام 2015 عقدت طهران اتفاقًا مع المجموعة 5+1 التي تضم الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، نص على تقييد الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الأممية، لكن بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في 2018 تخفف الإيرانيون من التزاماتهم، وباتوا قريبين من امتلاك أول قنبلة نووية>
واليوم يحاول الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) استخدام صلاحياتهم القانونية لاستعادة العقوبات الأممية لإجبار إيران على تقييد طموحاتها النووية.
آلية الزناد "سناب باك"
تضمن الاتفاق طريقة قانونية لعقاب طهران إذا أخلت بالتزاماتها تسمى آلية الزناد أو "سناب باك" أي العودة السريعة لعقوبات مجلس الأمن خلال 30 يوماً من تاريخ تقديم أحد الأعضاء رسالة تفيد ذلك.
ويتمثل المهرب الوحيد من ذلك أن يعتمد مجلس الأمن قراراً بعدم تطبيق العقوبات، أي أنه في حال لم يتفق المجلس على قرار جديد لصالح طهران لن تستطيع أي دولة منع تطبيق العقوبات، أي أن الأصل أن تُعاقب طهران ولن تفلت من العقوبات إلا إذا أجمع الخمسة أعضاء الدائمون بالمجلس على عكس ذلك.
هذه الصياغة تكشف مدى صعوبة وقف تنفيذ آلية الزناد، لأن خصومها لن يعطلوا الآلية دون مقابل، وبالفعل فإن الثلاثي الأوروبي طلبوا من إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعودة للتفاوض مع واشنطن في مقابل تمرير قرار جديد بمجلس الأمن يؤجل آلية الزناد.
أرسل الأوروبيون رسالتهم في 28 أغسطس 2025، مبررين خطوتهم بوجود مخزون يورانيوم مخصب لدى إيران يتجاوز 8400 كيلوغرام - أي أكثر من 40 ضعف الحد الأقصى المتفق عليه في الاتفاق، منها مئات الكيلوجرامات بنسبة 60% القريبة من مستوى إنتاج القنابل النووية، في ظل غياب أي رقابة لوكالة الدولية للطاقة الذرية.
رفضت طهران المطالب الأوروبية، لذلك قرر الثلاثي استخدام صلاحياتهم وفقا المادة 11 من قرار مجلس الأمن رقم 2231 (2015) الذي أقر الاتفاق المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA).
ورغم إمكانية اللجوء إلى هذه الخطوة حتى يوم 18 أكتوبر 2025، فإن الأوروبيون تعجلوا الخطوة قبل تولي روسيا، حليفة إيران، رئاسة مجلس الأمن الدولي في شهر أكتوبر، إذ تستغرق عملية تفعيل الآلية شهرًا كاملا.
وكان لذلك تأثيرات سلبية فورية على الاقتصاد الإيراني بمجرد تقديم الرسالة، فقد انهار سعر العملة ليصبح سعر الدولار الأمريكي الواحد أكثر من مليون ريال، وقفزت أسعار الذهب بشدة، وانهارت الآمال في انعاش الاقتصاد.
خطورة العقوبات الأممية
تفرض عدد من الدول الكثير من العقوبات على إيران، لكن الفرق بين العقوبات الأممية وباقي العقوبات أنها لا تخص دولة معينة بل مُلزمة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة)، وبالتالي لا يحق لأي دولة أن تتجاهلها، إذ تتمتع بشرعية دولية لأنها صادرة عن منظمة تمثل المجتمع الدولي.
وكذلك لا يمكن رفع العقوبات الأممية إلا بتوافق الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا)، وبالتالي رغم أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة مثلا أشد ضررا وأوسع نطاقا من العقوبات الأممية، مثل حظر تصدير النفط وعقوبات القطاع المصرفي، لكن بعض الدول قد تتجاهلها إذا لم تخشَ تبعات سياسية أو اقتصادية من الولايات المتحدة، ويتأثر الموقف كثيرا بالحسابات السياسية وليس القانونية فقط.
فهناك عقوبات كثيرة أحادية فرضتها الولايات المتحدة وغيرها الدول الغربية، وهناك عقوبات جماعية فرضها الاتحاد الأوروبي على إيران، وكلا النوعين ليست ملزمًا لبقية دول العالم، بل تلتزم بها الدولة أو المجموعة التي أصدرتها فقط، لأنها ليست صادرة من مجلس الأمن الدولي بل من حكومات بعض الدول.
نص الاتفاق على أن تنتهي القيود تدريجيًا بمرور الوقت حتى يوم 18 أكتوبر 2025، وحينها ينهي مجلس الأمن نظر الملف النووي الإيراني.
عودة العقوبات
تعمل آلية العودة السريعة على مرحلتين، فوفقا للمادتين 36 و37 من الاتفاق والفقرتين 11 و13 من القرار 2231، إذا اعتبر أحد المشاركين أن طرفا آخر ينتهك الاتفاق يحيل الأمر إلى لجنة ينسقها الاتحاد الأوروبي (EU) وتُعطى مهلة 35 يومًا لحل الخلاف، وإذا لم يتم حله يجوز للمشارك إخطار مجلس الأمن، وبمجرد تقديم هذا الإخطار، تبدأ مهلة مدتها شهر يتاح خلاله تقديم أي عضو في المجلس مشروعًا لمواصلة تخفيف العقوبات خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر، وإن لم يقدم الأعضاء أي مشروع يجب على رئيس المجلس تقديمه وطرحه للتصويت، ويمكن لأي عضو يملك حق النقض (الفيتو) إبطال القرار، وحينها تُفعّل كل العقوبات السابقة للأمم المتحدة بين عامي 2006 و2010 تلقائيًا.
كانت هذه طريقة للعودة السريعة لعقوبات مجلس الأمن، والتي صممها واقترحها سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، وتم تضمينها في قرار مجلس الأمن.
وقد تم العمل بالاتفاق بداية من يناير 2016، لكن في مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب من جانب واحد وأعادت فرض عقوبات أحادية مشددة على إيران، وردًا على ذلك، بدأت إيران في العام التالي في تقليص امتثالها تدريجيًا للاتفاق، لذلك في يناير 2020، أقدمت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بتفعيل آلية تسوية النزاعات ردًا على الانتهاكات الإيرانية للاتفاق، لكن لم يتم استكمال إجراءات الآلية.
وقد رفض أعضاء آخرون في المجلس على نطاق واسع الجهود الأمريكية الموازية لاستدعاء آلية الاستعادة، وفي أغسطس 2020 حاولت واشنطن تطبيق آلية الزناد لكن مجلس الأمن رفض ذلك لأنها لم تعد مشاركة في الاتفاق، وبعد انتخاب الرئيس جو بايدن في نوفمبر 2020، بدأ محادثات غير مباشرة مع طهران للعودة إلى الاتفاق، إلا أنها لم تحرز نجاحا وتوقفت عام 2022 دون التوصل إلى اتفاق، وتمتعت طهران بمزايا انتهاء بعض القيود عالعقوبات المفروضة على برنامج الصواريخ في أكتوبر 2023.
زادت أحداث من حدة التوترات. فبعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 ، استأنف سياسة " الضغوط القصوى" ضد إيران بالتوازي مع بدء المفاوضات معها، وفي يونيو، اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يقضي بعدم امتثال إيران لالتزاماتها، وأعقب ذلك عدوان إسرائيلي أمريكي استهدف منشآتها النووية، فعلّقت تعاونها مع الوكالة، وأوقفت المفاوضات.
ولذلك، حذّرت المجموعة الأوروبية من أنه ما لم تعد طهران إلى المفاوضات ستُفعّل آلية الزناد وهو ما تم.
ما هي العقوبات الأممية على إيران؟
- العقوبات الأممية التي فرضها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة كان أولها القرار 1696 لسنة 2006 الذي أعرب فيه مجلس الأمن الدولي عن قلقه من نوايا برنامج إيران النووي وطالب بتعليق تخصيب اليورانيوم.
- ثم القرار 1737 لسنة 2006، والذي فرض حظرا على توريد التكنولوجيا المتصلة بالسلاح النووي وجمد أصول شركات وأفراد لهم صلة بالتخصيب.
- والقرار 1747 لسنة 2007، والذي حظر توريد الأسلحة من إيران وإليها، وشدد إجراءات تجميد الأصول التي شملها القرار السابق.
- القرار 1803 لسنة 2008، الذي طالب إيران بوقف تخصيب يورانيوم ووقف البحث والتطوير في هذا المجال، ووضع تشديدات على معاملاتها البنكية، وطالب الدول الأعضاء بتفتيش الشحنات المشتبه بها المتجهة منها أو إليها.
- وفي عام 2008 أيضًا، صدر القرار 1835 الذي أدان إيران بسبب استمرار أنشطة التخصيب وأمرها بإيقاف تطوير الصواريخ الباليستية.
- وفي عام 2010 كان القرار 1929، وهو أصعب هذه القرارات، إذ حظر على جميع الدول بيع أو شراء الأسلحة التقليدية الثقيلة مع إيران كالدبابات والمدرعات والطائرات المقاتلة والسفن الحربية، أو حتى المرور على أراضيها أو مجرد توفير أي دعم تقني له علاقة بهذه الأسلحة أو قطع غيارها، وطالب كل الدول باتخاذ جميع التدابير لمنع نقل التكنولوجيا التي لها علاقة بها إلى إيران، وحظر على إيران المشاركة في أي نشاط تجاري له علاقة بتخصيب اليورانيوم، وألزم جميع الدول بمنع دخول بعض الشخصيات الإيرانية إلى أراضيها أو عبورهم لها، ودعا الدول لتفتيش أي سفينة إيرانية مشتبه بها ومصادرة الأصناف المحظورة، وأهاب بالدول عدم تقديم الخدمات المالية لإيران، وأن تجمد أصولها التي يمكن أن تسهم في أنشطة نووية حساسة.
بدء التطبيق
عند تطبيق آلية "سناب باك"، سيتم تفعيل كل القرارات دفعة واحدة، في نهاية اليوم الثلاثين، في تمام الساعة 00:00 بتوقيت غرينتش من تاريخ تقديم الدول الأوروبية رسالتها، بحسب القرار رقم 2231، وحينئذ تبدأ كل الدول تنفيذ الإجراءات، ومن ضمنها تفتيش أي سفن أو طائرات لها علاقة بإيران.
ورغم أن روسيا والصين لا تستطيعان منع إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، لكن في حال ثبت انتهاكهما للعقوبات يمكنهما استخدام حق النقض ضد أي محاولات من مجلس الأمن لمعاقبتهما، ويظل المطلب الغربي الأكثر إلحاحًا إعادة صياغة اتفاق جديد مع إيران يضمن تقييد برنامجها النووي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل رفع العقوبات وهو ما تقبل به طهران علانية لكن تبقى التفاصيل محل نزاع بشكل مستمر مما أفشل جميع جولات المفاوضات الماضية.
المراجع
https://main.un.org/securitycouncil/ar/s/res/1696-%282006%29
https://main.un.org/securitycouncil/ar/s/res/1737-%282006%29
https://main.un.org/securitycouncil/ar/s/res/1747-%282007%29
https://main.un.org/securitycouncil/ar/s/res/1803-%282008%29
https://main.un.org/securitycouncil/ar/s/res/1929-%282010%29