إلى أي مدى يصمد الاقتصاد الإسرائيلي؟ .. فاتورة الحرب مقابل الثمن
المستخلص
تظهر الحرب في غزة كعامل بنيوي يعيد تشكيل الاقتصاد الإسرائيلي من اقتصاد يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا إلى اقتصاد حرب مثقل بفاتورة دفاعية بلغت 107 مليارات شيكل عام 2025، يذهب معظمها لمشتريات السلاح والتعويضات والإمدادات اللوجستية. هذه الكلفة رفعت العجز المتوقع إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي، مع دين مرشح لتجاوز 70% بحلول 2026، فيما تراجع النمو وتضررت قطاعات أساسية مثل السياحة والبناء والزراعة والتكنولوجيا. وعلى الرغم من الدعم الأمريكي الذي يخفف الضغط المالي عبر المساعدات والقروض، إلا أنه يرسّخ اعتماد إسرائيل المتزايد على الخارج ويقيّد استقلالية سياساتها. داخليًا، انعكس الإنفاق الدفاعي على الشرعية الحكومية عبر تضخم الأسعار وتراجع الخدمات واحتقان سوق العمل بفعل التجنيد، ما يفتح الباب لتحولات انتخابية وإعادة تشكل للخريطة الحزبية. الخلاصة أن إسرائيل لا تواجه انهيارًا فورياً، لكنها تنزلق إلى مسار استنزاف طويل الأمد يجعل قدرتها على الاستمرار رهينة بمدة الحرب ومستوى الدعم الخارجي وفاعلية إدارتها للأزمة.
مقدمة
منذ اندلاع الحرب في غزة أواخر عام 2023، دخل الاقتصاد الإسرائيلي في طور جديد من الضغوط المتراكمة، حيث تداخلت التحديات الأمنية والعسكرية مع مسارات التباطؤ الاقتصادي المحلي والدولي. وإذا كان الاقتصاد الإسرائيلي قد اشتهر تاريخيًا بمرونته في امتصاص الصدمات بفضل اعتماده على قطاعات تكنولوجية متطورة وبنية مالية قوية ودعم خارجي استثنائي من الولايات المتحدة، فإن طول أمد الحرب وتوسعها أفقيًا (مع جبهات كإيران ولبنان) ورأسيًا (مع استدعاء متكرر للاحتياط وغياب العمالة الفلسطينية والاضطرابات الداخلية) جعلت المسألة أكثر تعقيدًا. فالمعادلة لم تعد تتعلق فقط بكلفة الحرب المباشرة على الموازنة أو النمو، بل باتت تشمل تأثيرات هيكلية على البنية الإنتاجية، وتآكلًا تدريجيًا في ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، فضلًا عن تنامي الاحتقان الاجتماعي الداخلي الذي يضغط بدوره على قدرة الحكومة على المناورة.
تشير البيانات الأولية الصادرة عن بنك إسرائيل ووزارة المالية إلى أن التوقعات الاقتصادية تم تعديلها نحو الأسوأ، إذ خُفّض معدل النمو المتوقع لعام 2025 إلى ما بين 3.1% و3.3% بدلًا من تقديرات سابقة قاربت 3.5%. ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو، للوهلة الأولى، مقبولة قياسًا بحالات الحروب الشاملة، فإنها تعكس في الحقيقة قدرة الجهاز المالي على تأجيل الانهيار عبر الاقتراض وتوسيع قاعدة الدين العام، أكثر مما تعكس ديناميكية نمو حقيقية. ففاتورة الحرب، التي تراوحت تقديراتها بين 60 و120 مليار دولار حتى منتصف 2025، لا تشمل فقط النفقات الدفاعية المباشرة وإنما أيضًا خسائر القطاعات الحيوية مثل السياحة والبناء والزراعة، وتراجع الإيرادات الضريبية بسبب إغلاق عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا إلى جانب تراجع ملحوظ في حركة المسافرين بنسبة تراوحت بين 34% و43% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعبّر عن انهيار قطاع السياحة كرافد أساسي للعملة الصعبة.
الأهم أن هذه الحرب جاءت في وقت يواجه فيه الاقتصاد الإسرائيلي تحولات جيوسياسية ودبلوماسية غير مواتية، حيث تتزايد الضغوط الأوروبية والدولية على صفقات السلاح والتعاون الصناعي، في وقت بدأت بعض صناديق الثروة السيادية الغربية التخارج من استثماراتها في الشركات الإسرائيلية، ما ينذر بارتفاع كلفة الاقتراض واهتزاز بيئة الثقة الاستثمارية على المدى المتوسط. وعلى المستوى الداخلي، تتزامن هذه الضغوط مع تصاعد الحراك الشعبي المتمثل في مظاهرات حاشدة وتهديدات بالإضراب العام، بما يحوّل فاتورة الحرب إلى عامل يهدد ليس فقط المالية العامة وإنما الشرعية السياسية للحكومة ذاتها.
وبالتالي، فإن السؤال المركزي لم يعد يقتصر على قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على “الصمود” بالمعنى الضيق، بل على المدى الذي يمكن فيه لهذا الاقتصاد أن يمتص الفاتورة الباهظة للحرب دون أن تتحول الكلفة إلى أزمة هيكلية تُضعف ركائز قوته الأساسية: التكنولوجيا، التمويل، والاستقرار الاجتماعي.
لتحميل التقرير كاملاً- اضغط هنا
