الخطاب والتلفزيون والسياسة .. كيف حوَّل نتنياهو منبر الأمم المتحدة لسيرك سياسي في ربع قرن (من 1998 إلى 2025)؟

أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقف بنيامين نتنياهو أكثر من مرة منذ عام 1998، محولًا هذا المنبر الدولي إلى مسرح شخصي يستعرض فيه خطاباته المكررة وحيله البصرية، في محاولة لترسيخ صورته كزعيم عالمي.
لكن هذه الخطابات، على مدى أكثر من ربع قرن، لم تثمر سوى عن تكريس عزلة إسرائيل وتعزيز صورتها كدولة خارجة عن القانون الدولي، بينما بقي خطاب نتنياهو حبيس دائرة الدعاية الداخلية الإسرائيلية.
ونستعرض في هذه الورقة البحثية خطابات نتنياهو من 1998 حتى 2025، محللة مضامينها، حيلها الاستعراضية، وسياقها السياسي، وصولًا إلى موقعه اليوم وهو يواجه أمر اعتقال دولي بتهم جرائم حرب، في وقت يتسع فيه الاعتراف العالمي بدولة فلسطين.
أولاً- نتنياهو والسحر المفقود (2025)
في ظهوره الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2025، بدا بنيامين نتنياهو أشبه بساحر فقد بريقه ولم يعد قادرًا على قراءة روح العصر.
لجأ نتنياهو مجددًا إلى نفس الأدوات التي استهلكها على مدار ربع قرن: الرسوم الكرتونية، الأقلام الفلورية، والرموز البصرية الساذجة التي اشتهر بها في خطابات سابقة، في محاولة لإحداث تأثير إعلامي سريع.
الجديد هذه المرة تمثّل في إضافة رمز استجابة سريع (QR code) على سترته يقود إلى فيلم يوثق أحداث السابع من أكتوبر، في مشهد أقرب إلى الاستعراض الدعائي منه إلى الخطاب السياسي الجاد.
لكن أكثر المظاهر إثارة للجدل لم يكن الباركود، بل القرار غير المسبوق الذي صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، طالبًا من الجيش نصب مكبرات صوت على حدود قطاع غزة لبث خطاب نتنياهو مباشرة لسكان القطاع.
هذا السلوك الذي يذكّر بممارسات الأنظمة الدكتاتورية في القرن العشرين، كشف عن تداخل خطير بين الاعتبارات العسكرية والمصالح الدعائية الشخصية، فقد اضطر نتنياهو الجيش الإسرائيلي إلى إيقاف جزء من عملياته الميدانية لتأمين أجهزة الصوت ونقلها، مما عرض الجنود لمخاطر ميدانية حقيقية، فقط من أجل إشباع نزوة استعراضية مرتبطة بصورة نتنياهو الإعلامية.
اللافت أنّ قاعة الأمم المتحدة نفسها كانت شبه فارغة أثناء الخطاب، وهو ما يعكس حجم التراجع في مكانة إسرائيل على الساحة الدولية، مقابل الإصرار على توجيه الرسالة إلى الجمهور الداخلي الإسرائيلي.
وحين وُجّهت انتقادات واسعة لهذا القرار داخل الأوساط الأمنية والإعلامية، رد مكتب نتنياهو بتبرير اعتبره مراقبون "كذبة فجّة"، إذ زعم أنّ البث اقتصر على الحدود فقط، في وقت كانت تقارير ميدانية تؤكد وصول الصوت إلى داخل غزة.
تُظهر هذه الواقعة بوضوح كيف تحولت خطابات نتنياهو إلى عبء أمني ودعائي في آن واحد: عبء لأنها تدفع الجيش إلى الانخراط في مهام بعيدة عن طبيعته القتالية، ودعائية حيث تكشف عن تراجع الخطاب السياسي لصالح استعراضات مسرحية جوفاء لا تجد صدى سوى في الإعلام المحلي.
وبذلك مثّل خطاب 2025 ذروة الانحدار في مسيرة نتنياهو الأممية، حيث فقد السحر القديم ولم يتبق سوى الاستعراض الفارغ والإنكار المستمر لعزلته الدولية.
ثانيًا- خطابات نتنياهو بين 1998 – 2024
نستعرض ونحلل هنا جملة التحول والتغير والرسائل في خطابات نتنياهو منذ 1998:
(1) خطاب 1998: بين التحذير والإنكار الدبلوماسي
في عام 1998، اعتلى بنيامين نتنياهو منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة بصفته رئيسًا لوزراء إسرائيل، بعد أن راكم خبرة سابقة كسفير لدى المنظمة الدولية. جاء ظهوره في لحظة سياسية دقيقة، حيث سعى إلى تعطيل توجه رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لإعلان دولة فلسطينية من على منبر الأمم المتحدة.
حاول نتنياهو أن يجمع في خطابه بين لهجة تحذيرية موجهة إلى القيادة الفلسطينية وبين نبرة تصالحية تستهدف المجتمع الدولي. عكست التغطية الإعلامية الإسرائيلية هذا التناقض بوضوح؛ إذ عنونت صحيفة معاريف خطابَه بـ "تحذير لعرفات"، بينما فضّلت يديعوت أحرونوت إبراز مقطع يقدّم فيه نفسه كصاحب إرادة سلام، ناقلة عنه قوله: «غالبًا ما يُتهمني البعض بأنني لا أريد السلام، ولا شيء أبعد عن الحقيقة من ذلك».
بعد أيام قليلة من الخطاب، جمع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كلاً من نتنياهو وعرفات في البيت الأبيض ضمن محاولة جديدة لإحياء عملية السلام. أفضى اللقاء إلى إعلان عن قمة مرتقبة على غرار "كامب ديفيد". غير أنّ هذه الجهود انتهت سريعًا إلى الجمود، في انسجام مع النهج الذي طبع الولاية الأولى لنتنياهو وانتهت قبل أوانها.

يمكن النظر إلى خطاب 1998 باعتباره محطة تأسيسية في مسيرة نتنياهو السياسية؛ فهو يبلور للمرة الأولى استراتيجية مزدوجة: إظهار الاستعداد الشكلي للسلام على المنابر الدولية، مقرونًا بممانعة عملية لأي مسار يمكن أن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. هذا التناقض المبكر سيتحوّل لاحقًا إلى سمة بنيوية في خطابات نتنياهو وسياساته حتى العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
(2) خطاب 2009: بدايات ترسيخ سياسة "البروباجندا البصرية" لنتنياهو
بعد أحد عشر عامًا من خطابه الأول، عاد بنيامين نتنياهو إلى منصة الأمم المتحدة عام 2009 في ولايته الثانية كرئيس للوزراء.
مثّل هذا الظهور بالنسبة له لحظة مفصلية، إذ صرّح لاحقًا بأنّه «انتظر هذا الخطاب طوال حياته».
جاء ظهوره بعد يوم واحد فقط من خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، المعروف بإنكاره للمحرقة اليهودية، وهو ما وفر لنتنياهو "خصمًا مثاليًا" يتيح له الابتعاد عن مأزق الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي والانخراط في معركة خطابية ضد "عدو خارجي" أكثر تجريدًا ورمزية.
اعتمد نتنياهو على أدوات بصرية مثيرة، أقرب إلى عرض مسرحي، حمل فيها خرائط لمعسكر الإبادة أوشفيتز ووثائق زعم أنها تاريخية ليؤكد "حقيقة" المحرقة.
وجّه نتنياهو في هذا الموقف خطابه إلى المجتمع الدولي، إلا أن هذه الحجج لم تلق صدى في إيران، لكن العرض البصري الذي قدّمه نجح في استقطاب اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية على حد سواء.

مثلاً صحيفة يديعوت أحرونوت، التي كانت آنذاك المنصة الإخبارية الأقوى في إسرائيل، عنونت خطاب نتنياهو باقتباسه الشهير: «لهذا الخطاب انتظرت طوال حياتي».
أما المعلق السياسي نحوم برنياع فكتب في عموده عن نتنياهو بأنّه كان «في أفضل حالاته».
يمثل خطاب 2009 لحظة مفصلية أخرى في خطاب نتنياهو الأممي؛ إذ أسّس لاستخدام الهولوكوست كأداة خطابية مركزية، لتأطير صراعات الحاضر باعتبارها امتدادًا لصراع وجودي متواصل.
هذا التوظيف الاستراتيجي للتاريخ سيصبح لاحقًا ركيزة أساسية في كل خطاباته الدولية، بما في ذلك تلك التي سيلقيها خلال العقدين التاليين.
(3) خطاب 2011: إفراغ الأمل وتجاهل الإنسان
في سبتمبر 2011، صعد نتنياهو إلى منصة الأمم المتحدة ليلقي خطابه الثالث أمام الجمعية العامة، في لحظة فارقة تزامنت مع تقديم محمود عباس طلب الاعتراف بدولة فلسطين.
كان الحدث يحمل ثقلًا سياسيًا غير مسبوق، لكن نتنياهو اختار أن يحوله إلى معركة خطابية هدفها الأساسي نزع الشرعية عن المبادرة الفلسطينية، بدلًا من تقديم أي رؤية حقيقية للمستقبل.
رغم أن تلك الفترة تزامنت مع استمرار احتجاز الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لدى الفصائل الفلسطينية، لم يستثمر نتنياهو هذا المنبر العالمي للتأكيد على سعيه من أجل الإفراج عنه أو للدعوة إلى تحرك دولي ضاغط، وانما اكتفى بذكره عرضًا، ثم عاد سريعًا إلى دراما خطابية فارغة تتمحور حول رفض حل الدولتين. لقد عكست تلك اللامبالاة معضلة نتنياهو المزمنة: تحويل القضايا الإنسانية الملحة إلى تفاصيل هامشية أمام طموحه السياسي والدعائي.
هذا النمط يتكرر اليوم، في حرب «السيوف الحديدية» 2023–2025، حيث يواجه نتنياهو ضغطًا داخليًا متزايدًا من عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة، الذين يعتصمون يوميًا في تل أبيب وحتى خارج مبنى الأمم المتحدة أثناء خطبه، ومع ذلك، ظل يتجاهل قضيتهم أو يعالجها بخطاب شعاراتي فارغ، مفضلًا التمسك بالتصعيد العسكري والدعاية السياسية بدلًا من إعطائها موقعًا مركزيًا في أجندته.
كما كتب الصحفي نحوم برنيا من نيويورك عام 2011: «يمكن إغلاق ما يُسمى بعملية السلام، فلن تكون هناك دولة فلسطينية، ولن تقوم دولة يهودية ديمقراطية أيضًا. ما سيبقى فقط هو خطب نارية وحرب لا تنتهي».
وبالعودة من 2011 إلى 2025، يمكن القول إن نتنياهو لم يبرح هذه الحلقة المفرغة، حيث بقي خطابه محكومًا بالاستعراض، بينما أُهملت القضايا الجوهرية الإسرائيلية– من شاليط إلى المحتجزين الحاليين.
(4) خطاب 2012: القنبلة الكرتونية
في خطابه الرابع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، قدّم بنيامين نتنياهو أحد أكثر المشاهد إثارة للجدل في مسيرته الخطابية: عرض رسماً كاريكاتورياً لقنبلة شبيهة بما يظهر في أفلام الرسوم المتحركة، ملوّحًا به أمام الحضور ليحذر من أن إيران «ستصل إلى العتبة النووية بحلول الربيع المقبل أو الصيف على أبعد تقدير»، مشيراً إلى أنها ستكون على بُعد أسابيع أو أشهر قليلة من امتلاك سلاح نووي.
أثار هذا المشهد تفاعلات واسعة، إذ تحولت الصورة إلى مادة للسخرية العالمية، لا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي كانت تشهد في ذلك الوقت بدايات انتشارها المؤثر.
وبدا وكأن نتنياهو يوجّه رسالة ضمنية بالانتقال من "ملف فلسطين" إلى "ملف إيران"، مُعيداً صياغة جدول الأولويات الدولية من خلال أداء مسرحي استعراضي لفت الأنظار بعيداً عن القضية الفلسطينية.
غير أن هذا الأسلوب، على الرغم من زخمه الإعلامي، كشف محدوديته على المستوى الدولي. فبينما أشادت بعض الصحف الإسرائيلية بقدرة نتنياهو على جذب الانتباه، رأى محللون في مجال الاتصال السياسي أن الخطاب أخفق في تحقيق تأثير ملموس لدى الجمهور المستهدف فعلاً، أي صانعي القرار في العواصم الكبرى مثل واشنطن وموسكو وبرلين وبكين.

وكما أوضح يوني كوهين–إيدوف، الإسرائيلي المعروف بقوته في المناظرات، في تحليل خاص لصحيفة يديعوت أحرونوت إن «المعضلة الحقيقية تكمن في أن نتنياهو يخاطب الخارج الإسرائيلي لكنه في الواقع يوجّه رسائله إلى الداخل، أما القوى الكبرى فقد سمعت هذه المزاعم سابقاً ولم تجد فيها ما يغيّر مواقفها».
وعليه، شكّل خطاب "القنبلة الكرتونية" مفارقة لافتة: أداة دعائية فعالة في السياق الإسرائيلي الداخلي، ورمزاً للسخرية والافتقار إلى الجدية على المستوى الدولي، حيث لم يسفر عن أي اختراق سياسي أو تغيير في مواقف القوى المؤثرة.
(5) خطاب 2013: عزلة مقصودة وتهديد منفرد
في خطابه الخامس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013، واصل بنيامين نتنياهو تصعيد لهجته، متجهاً أكثر نحو خطاب يقوم على التطرف الأيديولوجي والنزعة الأحادية التي ستتعمق مع مرور الوقت، كلما تقلّصت دائرة حلفائه السياسيين واقتصرت على تيارات أكثر تشدداً ذات طابع قومي–ديني.
أعلن نتنياهو من على منصة الأمم المتحدة: «إذا اضطررنا، سنقف وحدنا في مواجهة إيران»، مقدماً صورة إسرائيل كدولة مستعدة لمواجهة التهديد النووي الإيراني بمعزل عن المجتمع الدولي.

ورغم أن التهديدات التي أطلقها في خطابه السابق (2012) بشأن اقتراب إيران من القنبلة النووية لم تتحقق، فإن ذلك لم يمنعه من المضي قدماً بخطاب تصعيدي جديد، استبدل فيه صورة "القنبلة الكرتونية" الشهيرة بصورة رمزية أخرى تعكس تموضعه كشخص يواجه العالم منفرداً.
اللافت أن هذا التناقض لم يُشكّل عائقاً أمام نتنياهو، كما لم يكن موضع مساءلة جدية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي غالباً ما تُتهم بقصر ذاكرتها السياسية والاكتفاء بالتفاعل مع المشهد الآني بدلاً من محاسبة التنبؤات السابقة التي لم تتحقق.
وهكذا، بدا خطاب 2013 استمراراً لنمط "الدراما السياسية" الذي يوظفه نتنياهو بمهارة: تحويل التهديدات الخارجية إلى أداة لتكريس صورته داخلياً كزعيم حامي الأمن، حتى لو جاء ذلك على حساب المصداقية أمام المجتمع الدولي.
(6) خطاب 2014: "حماس لاعب أساسي"
جاء خطاب بنيامين نتنياهو السادس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2014 بعد أسابيع قليلة من انتهاء عملية "الجرف الصامد" في غزة، التي خلّفت مئات الضحايا وآلاف الجرحى من المدنيين الفلسطينيين.
في هذا السياق، اختار نتنياهو أن يقدّم رواية مختلفة: بدل أن يركّز على مسؤولية إسرائيل في تلك الحرب، أعلن أن تنظيم "داعش" وحركة "حماس" هما "فرعان من الشجرة المسمومة ذاتها"، في محاولة لدمج الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ضمن الحرب العالمية على الإرهاب.
على الصعيد السياسي الداخلي، كان نتنياهو قد واجه ضغوطاً من وزراء في حكومته – وعلى رأسهم أفيجدور ليبرمان – رئيس حزب إسرائيل بيتينو – لدفع الجيش الإسرائيلي نحو اجتياح بري شامل لغزة بهدف "إسقاط حكم حماس"، لكنه أفشل تلك الضغوط بالطرق التي اعتاد استخدامها: تسريبات محسوبة إلى الإعلام، ثم تبني ما أصبح يُعرف لاحقاً بـ "نظرية أن حماس لاعب أساسي".
فبالنسبة لنتنياهو، استمرار وجود الحركة كسلطة أمر واقع في غزة يوفّر حاجزاً أمام صعود قوى فلسطينية أكثر اعتدالاً قد تُعيد إسرائيل إلى مسار التفاوض واتفاقيات السلام. ومن هنا وجّه سهامه إلى السلطة الفلسطينية، متهماً محمود عباس مباشرةً بـ "المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبها حماس".
وكعادته، لم يخلُ الخطاب من "الألعاب البصرية": صورة مكبرة لأطفال فلسطينيين بجوار منصات إطلاق الصواريخ في غزة، استُخدمت كأداة رمزية لتبرير الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

وإلى جانب ذلك، لم يغِب الملف الإيراني الذي حافظ نتنياهو على حضوره الدائم في كل خطاباته، باعتباره العنوان الأبرز لخطاباته التحذيرية.
لكن قراءة نقدية إسرائيلية – نشرتها فوربس بالعبرية – كشفت مفارقة لافتة: «الخطاب جاء متماسكاً على مستوى الشكل، ونجح في تقديم "كلمة دفاع" بارعة عن إسرائيل أمام هيئة الأمم المتحدة، حتى شبّه البعض نتنياهو بمحامٍ لامع في محكمة دولية. غير أن الإشكال الحقيقي لم يكن في مضمون الخطاب، بل في غياب الجمهور الدولي المتلقي. فبينما كان زعماء سابقون مثل رابين أو شارون أو أولمرت يحظون بوزن دبلوماسي وشخصي يجعل كلماتهم تؤخذ بجدية في العواصم الكبرى، فإن نتنياهو، رغم بلاغته، لم يعد يحظى بالمصداقية نفسها».
(7) خطاب 2015: الصمت الذي دوّى في الفراغ
في خطابه السابع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، سعى بنيامين نتنياهو إلى استبدال أدواته البصرية التقليدية – مثل القنابل الكرتونية أو الصور الدعائية – بلقطات مسرحية جديد أكثر إثارة: الصمت.
فقد وقف على المنصة متجمّدًا لمدة 40 ثانية كاملة، في محاولة لإيصال رسالة احتجاج على "صمت المجتمع الدولي" تجاه تصريحات إيرانية تدعو إلى تدمير إسرائيل.
لكن ما صوّره نتنياهو كأداء مسرحي درامي تحوّل في الواقع إلى لحظة هزلية. فقد تناقل الإعلام ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي المشهد باعتباره استعراضًا رديئًا يفتقر إلى العمق السياسي، وأقرب إلى التمثيل المدرسي منه إلى خطاب قائد دولة.
وبينما أراد نتنياهو أن يحرج العالم بصمته، كان أثر الفقرة على الساحة الدولية أشبه بفراغ صوتي عجز عن إقناع العواصم المؤثرة أو دفعها إلى مراجعة سياساتها.
في الداخل الإسرائيلي، تلقى أنصاره الخطوة كدليل على "جرأة في المواجهة" وكسلاح رمزي في معركته ضد إيران.
أما منتقدوه، فاعتبروا أن المشهد يلخص أزمة نتنياهو: قدرته على صناعة لحظات استعراضية لافتة للانتباه، لكنها لا تُحدث أي أثر ملموس في ميزان العلاقات الدولية أو مواقف القوى الكبرى.
كما علّق بعض المحللين الإسرائيليين بسخرية، "لو جعل نتنياهو الصمت نهجه الثابت بدلًا من الخطب السنوية، لربما كان ذلك أنفع لمسيرته السياسية."
بهذا، رسّخ خطاب 2015 استمرار المسار ذاته: الانتقال من الدراما البصرية إلى الأداء المسرحي، حيث تحوّلت خطابات نتنياهو في الأمم المتحدة إلى عروض استهلاكية داخلية أكثر منها أدوات للتأثير الخارجي، ليبقى مضمونها حبيس الشاشات المحلية بينما يتضاءل صداها في المحافل الدولية.
(8) خطاب 2016: ازدواجية الخطاب بين السلام والاستيطان
عاد بنيامين نتنياهو إلى منبر الأمم المتحدة عام 2016 بخطاب بدا مختلفًا في ظاهره، خطاب يناقض رفضه العلني لطلب الفلسطينيين الاعتراف بدولتهم منذ خمس سنوات فقط (2011)، وبعد أربع سنوات من استعراضه رسمة القنبلة الكرتونية (2012).
أعلن نتنياهو أمام القاعة أنه «لا يزال يؤمن بحل الدولتين لشعبين»، وكرر أن الصراع «لم يكن يومًا حول المستوطنات، بل حول وجود دولة يهودية».
بل ذهب أبعد من ذلك باقتراح تبادل خطابات مع محمود عباس، حيث يخاطب الأخير الكنيست فيما يتوجه هو بخطاب من رام الله.

لكن هذه المظاهر لم تكن سوى إعادة إنتاج لأسلوبه المزدوج: استخدام خطاب "السلام" في الخارج لتجميل صورته الدولية، بينما يستمر على الأرض في تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان.
ففي حين قدم نفسه كزعيم منفتح على حلول سياسية، كانت حكومته تسير بخطى متسارعة نحو تثبيت واقع يجعل قيام دولة فلسطينية أمرًا شبه مستحيل.
رحب الإعلام الإسرائيلي "كالعادة" بالخطاب باعتباره محاولة لكسر الجمود وإظهار وجه أكثر اعتدالًا، لكن المجتمع الدولي قرأه في سياقه الحقيقي: مجرد مناورة ظرفية تتناسب مع أجواء الانتخابات الأميركية، حيث كان نتنياهو يترقب وصول إدارة قد تكون أقل تجاوبًا مع سياساته من إدارة لاحقة بقيادة دونالد ترامب.
وهكذا، مثّل خطاب 2016 حلقة جديدة في سلسلة ازدواجية نتنياهو: تهديدات ودراما على المنصة (2011–2012)، ثم حديث عن "السلام" (2016)، لكن النتيجة على الأرض بقيت واحدة: لا تقدم سياسي، بل تكريس لعزلة إسرائيل وتآكل صدقيتها.
(9) خطابا 2016 و2017: الانفصام بين القول والفعل
في خطابه الثامن عام 2016، حاول نتنياهو أن يرسم لنفسه صورة الزعيم البراغماتي القادر على تبني خطاب "معتدل" يتماشى مع المزاج الدولي في ظل الانتخابات الأميركية، حين كان يُتوقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة.
في هذا السياق أعلن أنه «ما زال ملتزمًا بحل الدولتين»، مؤكدًا أن جوهر الصراع «لم يكن يومًا حول المستوطنات بل حول الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية».
وذهب أبعد من ذلك باقتراح تبادل خطابات رمزية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس: أن يلقي عباس خطابًا في الكنيست، مقابل أن يلقي هو كلمة في رام الله.
ورغم الطابع التصالحي لهذا الطرح، فإن الخطاب ظل أقرب إلى تكتيك دعائي موجَّه للعواصم الغربية أكثر من كونه مبادرة سياسية قابلة للتطبيق، خصوصًا في ضوء السياسات العملية التي واصل اتباعها عبر تسريع وتيرة الاستيطان وتهميش أي مسار تفاوضي حقيقي.
أما في عام 2017، فقد انتقل نتنياهو إلى مستوى جديد من الاستعراض الخطابي، إذ توجه هذه المرة إلى الشعب الإيراني بالفارسية قائلاً: «أنتم لستم أعداءنا"».
وقد بدا هذا المشهد محاولة متعمدة لتسويق نفسه كزعيم عالمي يتجاوز حدود الخطاب التقليدي بين الدول، بينما كان في الداخل يواجه ضغوطًا قضائية متزايدة على خلفية قضايا الفساد.

غير أن الرسالة بدت أقرب إلى لفتة مسرحية فارغة من أي مضمون سياسي فعلي، حيث لم تواكبها خطوات عملية تجاه إيران أو القضية الفلسطينية.
تكشف هاتان المحطتان عن الاستمرارية البنيوية في خطابات نتنياهو بالأمم المتحدة: الجمع بين لغة تصالحية أو استعراضية موجهة للخارج وبين سياسات ميدانية تناقضها تمامًا.
فكما تجاهل في خطابي 2011 و2012 التزامًا جديًا بحل الدولتين واستبدله بالدراما السياسية حول إيران، عاد في 2016 و2017 ليكرر الأسلوب نفسه: وعود لفظية ورسائل إعلامية للاستهلاك الدولي، مقابل ممارسات عملية على الأرض تكرس الاحتلال وتغلق الباب أمام أي تسوية حقيقية.
(10) خطابا 2018 و2020: إعادة تدوير الاستعراض وتغييب فلسطين
بعد أكثر من عقد على صعوده منصة الأمم المتحدة بانتظام، بدا نتنياهو في خطاب 2018 وكأنه يكرر نفسه بأسلوب معاد إنتاجه مرارًا. فقد استحضر مجددًا أداة الكرتون، لكن هذه المرة مع صورة لما وصفه بـ "المفاعل النووي السري في طهران"، في محاولة لإبقاء الملف الإيراني في واجهة الاهتمام الدولي.
في الوقت ذاته، كان على الأرض يرسخ سياسة "إدارة الصراع" التي تبلورت حول معادلة "حماس هو أصل إستراتيجي": السماح بتمرير حقائب الدولارات القطرية إلى غزة كآلية لضبط التوتر، بدلًا من البحث عن حلول سياسية جوهرية.
بذلك، واصل نتنياهو تحويل إيران إلى العدو المركزي في خطابه الخارجي، بينما تعامل مع غزة كـ "حاجز وظيفي" يمنع أي دينامية قد تعيد طرح مسار تسوية مع السلطة الفلسطينية.
وفي خطاب 2020، بعد الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت بشهرين، وجد نتنياهو الفرصة لتكرار الأسلوب ذاته عبر تسليط الضوء على "الفرع اللبناني لإيران"، مقدّمًا ما وصفه بـ "كشف جديد" حول مواقع لتخزين الأسلحة.

ولم يفته، كالعادة، إعادة التهديد بأن إيران "ستملك في غضون أشهر ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلتين نوويتين". ورغم محاولته الاستثمار في اللحظة الإقليمية لربط صورة حزب الله بالمشهد اللبناني المنهار، فإن الخطاب لم يتجاوز حدود الاستعراض البلاغي، ولم يحقق أي تأثير فعلي على مواقف القوى الدولية، التي اعتادت سماع هذه التحذيرات بلا جديد.
تكشف خطابات 2018 و2020 أن نتنياهو ظل أسيرًا للنمط ذاته: خطاب استعراضي مليء بـ "الكشوف الدرامية"، يقدَّم في صيغة عرض بصري أو تهديد متكرر، بينما في الواقع العملي لم يكن هناك أي تحوّل نوعي في السياسات الإسرائيلية. وكما في خطاباته السابقة (2011، 2012، 2014)، ظل الفارق بين القول والفعل هو السمة المهيمنة: وعود وتهديدات على المنصات الدولية، مقابل إدارة يومية للصراع تبقيه قائمًا وتضمن استمرارية الاحتلال دون أفق سياسي.
(11) خطاب 2023: السعودية كطوق نجاة
في عام 2023، وقف بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في لحظة شديدة التعقيد على الصعيدين الداخلي والدولي. فقد واجه احتجاجات واسعة في إسرائيل على مدار تسعة أشهر ضد ما اعتُبر محاولة انقلاب قضائي لحكومته، فيما أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن فتورًا في التعامل معه ورفض استقباله في البيت الأبيض، في وقت كانت فيه غزة تشهد اضطرابات مستمرة على الحدود لعدة أيام.
وذلك قبل أسبوعين من تطور الأحداث لتصل إلى الهجوم الذي خلف أكبر خسائر أمنية في تاريخ إسرائيل الحديث.
في خطابه، ركّز نتنياهو على ملف التطبيع مع السعودية، الدولة التي لم تدخل إسرائيل معها في أي صراع عسكري، وقدم الاتفاق المحتمل معها كأداة لإعادة الشرعية الداخلية وفتح قنوات التواصل مع الإدارة الأمريكية، ولكنه في جوهره كان وسيلة لتجنب مواجهة أزمته القضائية الشخصية.
وبذلك، استمر نمطه المعروف في فصل الأداء الإعلامي عن الواقع السياسي: خطاب موجه للاستعراض وإعادة بناء الصورة أمام الجمهور المحلي والدولي، بينما تتجاهل الإجراءات العملية الأزمات الحقيقية على الأرض، سواء في قطاع غزة أو في القضية الفلسطينية بشكل عام.

هذا الخطاب يمثل امتدادًا لممارسة نتنياهو المستمرة منذ 1998، حيث يوازن بين لغة تهديد وتصعيد إعلامي من جهة، وصورة زعيم دولي من جهة أخرى، في انفصام واضح بين القول والفعل، مما يعكس الاستمرارية في أسلوبه السياسي والدعائي، رغم التغيرات الكبيرة في السياق السياسي والأمني المحيط به.
(12) خطاب 2024: استعراض السلطة في ظل اغتيال نصر الله
في خطابه الثالث عشر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استمر بنيامين نتنياهو في نمطه المعهود من الخطابات الاستعراضية، مع تجاهل واضح للقيود العملية والسياسية الواقعية.
ركّز نتنياهو على فرص تحقيق السلام مع السعودية والعالم العربي، لكن الخطاب لم يتضمن أي مبادرات ملموسة أو خطوات قابلة للتنفيذ، مما يعكس استمرار الانفصام بين القول والفعل في خطابه.
ارتبط هذا الخطاب بشكل بارز بعملية اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، التي وقعت بالتزامن مع تواجده في نيويورك.
ورغم أن القرار لم يكن بيده، قام أنصاره بتقديم العملية كجزء من "خطة محكمة"، مستفيدين من تواجده على المنبر لتعزيز صورة نتنياهو كقائد مؤثر على الأحداث، ما يكرس الطابع المسرحي لاستراتيجيته السياسية.
يُبرز هذا الخطاب استمرار نمط الخطابات التي قدمها نتنياهو: استعراض بصري واستراتيجي للسلطة، توظيف الأحداث الكبرى لأغراض دعائية داخلية، وتجاهل المسار السياسي الفعلي على المستوى الدولي. وهو ما يرسّخ صورة الانفصام بين الأداء الإعلامي والواقع الدبلوماسي، ويبرز استمرار عزلة إسرائيل على الصعيد الدولي بالرغم من الحملات الإعلامية المكثفة داخليًا.
ثالثاً:- سمات رئيسية لخطابات نتنياهو أمام الأمم المتحدة
- ازدواجية القول والفعل (Dichotomy between Speech and Action)
- غالبًا ما تعارض وعود نتنياهو أو خطاباته التصالحية السياسات العملية على الأرض، مثل الحديث عن حل الدولتين مقابل استمرار التوسع الاستيطاني أو تجاهل المبادرات الفلسطينية.
- مثال: خطاب 2016 و2017، حيث تحدث عن حل الدولتين والتواصل مع عباس، بينما استمر في تكريس الاحتلال وتهميش التفاوض.
- الاستعراض البصري والمسرحي (Visual and Theatrical Propaganda)
- استخدام أدوات بصرية مثيرة للانتباه، مثل خرائط أو صور كرتونية للقنابل أو الأطفال الفلسطينيين، لتأكيد الرسائل أو تهديدات محددة.
- مثال: خطاب 2009 و2012 و2018، حيث استُخدمت الخرائط والرسوم الكرتونية والمشاهد البصرية لجذب الانتباه الإعلامي.
- التركيز على التهديد الإيراني (Iran as Central Threat)
- جعل إيران دائمًا محور خطاباته التحذيرية، وتحويلها إلى العدو المركزي في المعارك الإعلامية، مع تغليب المخاطر النووية على القضايا الفلسطينية أو الإنسانية.
- مثال: خطاب 2012، 2013، 2018، و2020.
- تحويل القضايا الإنسانية إلى هامش (Marginalization of Humanitarian Issues)
- قضايا مثل شاليط أو المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين أو المدنيين في غزة غالبًا ما تُذكر بشكل عابر دون أي مبادرات عملية ملموسة.
- مثال: خطاب 2011، خطاب 2015 (الصمت الاحتجاجي تجاه إيران بدل التركيز على قضايا إنسانية).
- التهديدات أحادية الجانب والانفرادية (Solo Threats and Isolationism)
- تصوير إسرائيل كدولة مضطرة لمواجهة التهديدات بمفردها، مع تجاهل الدور الدولي، لتعزيز صورته كزعيم قوي و"حامي للأمن".
- مثال: خطاب 2013، حيث صرح: «إذا اضطررنا، سنقف وحدنا في مواجهة إيران».
- استغلال الأحداث الكبرى داخليًا (Domestic Exploitation of Major Events)
- تحويل الأزمات الإقليمية أو الهجمات، مثل اغتيال حسن نصر الله أو انفجار مرفأ بيروت، إلى أدوات لتعزيز صورته محليًا والدفاع عن نفسه أو حكومته.
- مثال: خطاب 2024، حيث تم استغلال عملية اغتيال نصر الله لتعزيز موقفه أمام الرأي العام الإسرائيلي.
- توظيف التاريخ لمركزية الخطاب (Historical Framing)
- الاستعانة بالمحرقة أو أحداث تاريخية لتعزيز سردية صراع وجودي مستمر، مع جعل الماضي أداة لتبرير السياسات الحالية.
- مثال: خطاب 2009 حول الهولوكوست، واستمرار استدعاء التاريخ في خطابات لاحقة.
- الاستهداف الداخلي أكثر من الخارجي (Domestic Audience Priority)
- رغم مخاطبة الجمعية العامة، غالبًا ما تكون الرسائل موجَّهة لجمهوره الداخلي وللتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، أكثر من تحقيق تأثير دولي حقيقي.
- مثال: خطاب 2012 و2016 و2017، حيث أُعيد إنتاج التهديدات والوعود لتعزيز صورته المحلية.
- استخدام الأداء الرمزي واللحظات المسرحية (Symbolic Performance and Dramatic Pauses)
- اعتماد وسائل غير كلامية مثل الصمت الطويل (خطاب 2015) أو الصور المكبرة والرسوم للتأثير النفسي، بدل تقديم حلول أو سياسات قابلة للتطبيق.
- الاستمرارية في الانفصام الاستراتيجي (Consistent Strategic Disjunction)
- نمط مستمر منذ 1998 يجمع بين خطاب متصالح أو تهديدي على المنصات الدولية، وبين سياسات عملية تثبت الواقع الحالي وتكرس الاحتلال وتحد من أي أفق سياسي.
- يظهر هذا الانفصام في جميع الخطابات، من 1998 وحتى 2024، كخيط بنيوي يميز مسار نتنياهو السياسي والدعائي.
ختاماً
على مدار ربع قرن من الزمن، توضح دراسة خطابات بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المنبر الدولي لم يتحول لدى هذا الزعيم إلى أداة دبلوماسية حقيقية فحسب، بل أصبح أيضًا مسرحًا استعراضيًا لإعادة إنتاج صورته الشخصية والسياسية.
من خطاب 1998 الذي أرسى أسس ازدواجية القول والفعل، مرورًا بالعروض البصرية والمسرحية في خطابات 2009 و2012 و2015، وصولًا إلى استعراضاته الأخيرة في 2024 و2025، يظهر نمط ثابت يقوم على الجمع بين الأداء الإعلامي الجذاب من جهة، والسياسات العملية التي تعزز الاحتلال وتهمش أي مسار تفاوضي من جهة أخرى.
يتضح أن خطابات نتنياهو اتسمت بالتركيز على تهديد إيران كعدو مركزي، وتوظيف التاريخ والمأساة الإنسانية لإضفاء ثقل رمزي، واستغلال الأحداث الكبرى داخليًا لتعزيز صورته أمام الجمهور الإسرائيلي، مع تجاهل المصداقية الدولية والأفق السياسي القابل للتنفيذ. وقد ساهم هذا النمط المستمر في تكريس عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، بينما تحولت الخطابات إلى أداة دعائية أكثر منها إلى أداة تأثير حقيقي على صانعي القرار العالميين.
يمكن القول إن ربع القرن من خطاب نتنياهو الأممي يبرز نموذجًا واضحًا لـ "الانفصام الاستراتيجي": خطاب متصالح أو تهديدي على المنصات الدولية، مقابل سياسات عملية تكرّس الواقع الحالي، وتؤكد أن المنابر الدولية لا تكفي لتحويل الاستعراض الإعلامي إلى تأثير دبلوماسي حقيقي.
ومن هذا المنطلق، يشكل تحليل هذه الخطابات دراسة نموذجية لكيفية توظيف الزعيم السياسي للخطاب الإعلامي كأداة لاستدامة السلطة الداخلية، بينما يضعف دوره على المستوى الدولي، وهو درس مهم في فهم الديناميات بين الإعلام، السياسة، والسلطة في العصر الحديث.
المصادر والمراجع
- משרד ראש הממשלה
https://www.gov.il/he - נאומי נתניהו באו"ם (1998-2025): מפלסטין ועד פלסטין
https://www.the7eye.org.il/563863 - דוגרי, מה כבר שמענו בעבר מנאום נתניהו?
https://news.walla.co.il/item/1863254 - "נאום השתיקה" של נתניהו: "ישראל תעשה הכול כדי להגן על עצמה"
https://news.walla.co.il/item/2893912 - נאום ראש הממשלה בנימין נתניהו באסיפה הכללית של האו"ם
https://netanyahu.org.il - נאום ראש הממשלה נתניהו בעצרת הכללית של האו"ם בניו יורק
רה"מ פנה לחטופים ותקף אחרי הצונאמי המדיני: מדינה פלסטינית? טירוף. זו התאבדות, לא נסכים
https://www.ynet.co.il/news/article/bkq8j11v2gg#!/replace
- עבודה על נאומי נתניהו, נאום בר-אילן, שיח רטורי, נאומי טלויזיה הקורונה בידוד חברתי, נאומים בקונגרס האמריקני, נאום באו"ם נגד אירן, רטוריקה ביבי בנימין נתניהו
https://freeacademic.com/products/3755 - In Speech To Congress, Netanyahu Blasts 'A Very Bad Deal' With Iran
https://www.npr.org/sections/thetwo-way