منع أبومازن من دخول نيويورك .. سيناريوهات التأثير المحتمل على الاعتراف بالدولة الفلسطينية

مركز سياسات للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية اختبارات صعبة في أزمة غزة والتعامل مع القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتى الآن؛ إذ تكشف المواقف حالات من الانحياز الشديد من قِبل أمريكا في عهد الرئيس الجمهوري الاستثنائي في كل شيء دونالد ترامب فمن التعنت في المواقف أثناء "الوساطة" في مفاوضات غزة ومساعي وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة مؤقته، إذ فاجأ ويتكوف الجميع، أثناء جولة المفاوضات المطوّلة في يوليو  2025الماضي، بإعلان مغادرة الوفد الأمريكي وإصدار تصريحات هاجم فيها حماس ونقل صورة مغايرة للحقيقة للرئيس ترامب الذي أصدر تصريحات نارية دعا فيها لضرورة القضاء على حماس بشكل فاقت فيها مستوى التصريحات التي خرجت من نتنياهو نفسه، في الوقت الذي كانت حماس أعلنت موافقتها على المشروع الأمريكي المقَّدم لوقف إطلاق النار، وكان الجميع على مقربة من وقف إطلاق النار.

مستشاري ترامب

ومع الظهور الجديد لاثنين من أخطر مستشارين ترامب في ملف الشرق الأوسط توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، ومسئول مؤسسة فكرية أعدت مشروعاً مرتبطاً بالأزمة في غزة لصالح الإدارة الأمريكية، فضلاً عن جاريد كوشنر، صهر ترامب ومبعوثه في عهدته الأولى لأزمة الشرق الأوسط ومهندس الاتفاقات الإبراهيمية التي جرت المنطقة لكل ما هي فيه من أزمات، بدليل تصريح قائد حماس، يحيى السنوار، الذي قال فيه أنه من بين مسببات "طوفان الأقصى" السعي لوقف قطار "التطبيع المجاني" قاصداً الاتفاقات الإبراهيمية التي وقَّعتها دولاً عربية مع إسرائيل، ومع ظهور توني بلير، وكوشنر تتجدد المخاطر التي ترتبط بمستقبل القضية الفلسطينية، لما تجمعه تلك الشخصيتين من "الخبث" والمكر والدهاء السياسي، متمثلاً في توني بلير، والاندفاع والقوة والقدرة الكبيرة على التأثير والانحياز الفائق للأطر الدبلوماسية الحاكمة لسياسات أمريكا التاريخية مع إسرائيل متمثلة في كوشنر.

ومع كل تلك المواقف السلبية لترامب تجاه غزة، تجلت الأزمة الكاشفة في رفض الولايات المتحدة الأمريكية منع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2025 الجاري في نيويورك، بعد تعهّد عدد من حلفاء الولايات المتحدة بالاعتراف بفلسطين كدولة خلال القمة، رغم اعتراضات الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن عباس وحوالي 80 مسؤولًا فلسطينيًا آخرين سيتأثرون بقرار رفض وإلغاء تأشيرات دخول أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية مقرًا، بحسب وكالة "رويترز".

الموقف الفلسطيني

وكان عباس يخطط للسفر إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في مانهاتن، إذ كان من المقرر أن يحضر قمة بشأن حل الدولتين تستضيفها فرنسا والسعودية، إذ تعهّدت بريطانيا وفرنسا واستراليا وكندا إلى جانب عشرات الدول بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية، وهو ما اعتبره مكتب الرئيس الفلسطيني انتهاكاً لاتفاقية المقر للأمم المتحدة، إذ أنه بموجب "اتفاقية مقر" الأمم المتحدة لعام 1947، يُطلب من الولايات المتحدة عمومًا السماح للدبلوماسيين الأجانب بالدخول إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ومع ذلك، قالت واشنطن أنها تستطيع رفض منح التأشيرات لأسباب تتعلق بالأمن والتطرّف والسياسة الخارجية، وبررت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بتكرار المزاعم الأمريكية والإسرائيلية الراسخة بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تنبذا الإرهاب، بينما تضغطان من أجل "اعتراف أحادي الجانب" بدولة فلسطينية، وقالت الوزارة في بيان: "مصالحنا المتعلقة بالأمن القومي تقتضي تحميل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية المسؤولية عن عدم الالتزام بتعهداتهما، وعن تقويض فرص السلام، وأن القيود لن تشمل بعثة السلطة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، والتي تضم مسؤولين يقيمون هناك بشكل دائم".

الأمم المتحدة من جهتها علّقت على لسان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، بأن المنظمة الدولية ستناقش مسألة التأشيرات مع وزارة الخارجية "تماشيًا مع اتفاقية مقر الأمم المتحدة المبرمة بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة".

إن مسألة الرفض من قِبل الولايات المتحدة لمنح تأشيرة للرئيس الفلسطيني ليست ظاهرة جديدة، بل حدث ذلك من قبل حين تم منع الدخول للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988، واجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك العام في جنيف بدلًا من نيويورك ليتمكّن من إلقاء كلمة.

سيناريوهات التعامل مع الأزمة

القرار الأمريكي الصادم أوجد أطراً دبلوماسية وقانونية عدة من خلال القانون الدولي للتعامل مع الأزمة التي شهدت تحركاً واسعاً للدول المنظِّمة لمؤتمر حل الدولتين المثررله الانعقاد بنيويورك 22 سبتمبر الجاري بدعوة من المملكة العربية السعودية وفرنسا، فضلاً عن التحرك الفلسطيني للدفع في تجاه تغيير الموقف الأمريكي من الأزمة غير المبرَّرة.

فنائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، المعيَّن في منصبه قبل عدة أشهر، ترأس وفداً دبلوماسياً رفيعاً بدأ جولة دبلوماسية استهلها بالرياض، حيث استقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقدَّم له وعوداً بالضغط على أمريكا لتغيير هذا الموقف، كما زار القاهرة حيث التقى بوزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطي في ذات السياق، كما أنه من المتوقع أن يلتقى وزير الخارجية الفرنسي، وربما الرئيس ماكرون.

لقد اعتقد حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، أن مجرد موافقة أبو مازن لخروج الرجل في هذه المهمة، ربما يؤهِّله لأن يصبح جزءاً من حلها، إذ أنه من الوارد أن يكون أحد سيناريوهات الحل هو تخفيض التمثيل للوفد الفلسطيني ليمثله نائب الرئيس، بديلاً للرئيس أبو مازن، وهو ما يحقق عدة رسائل مجتمعة، وهي طرح وجه جديد ممثِّل للسلطة يمكن أن تُعقَد عليه الآمال في تجديد الدماء المتجمدة داخل السلطة، على ذات السياق الذي جرى من خلاله تمرير أبو مازن كخليفة منتظَر لأبو عمار، حيث كان رئيساً للحكومة عبر توافق دولي، حتى خَلف أبو عمار، ويبدو أن هذا السيناريو ذاته هو الأقرب خاصة وأن الشيخ عُيِّن في موقعه بعد توافق من الجهات الدولية كافة.

السيناريو الثاني أن يلقي الرئيس محمود عباس أبومازن كلمته للمؤتمر الذي سيُعقَد في نيويورك عبر الفيديو كونفرنس للتأكيد على ما عنده من رسائل للجميع، وهو سيناريو وارد أيضاً، مع الإبقاء على بعثة فلسطين بالأمم المتحدة لحضور المؤتمر.

السيناريو الوارد أيضاً هو نقل مقر انعقاد المؤتمر بدلاً من أن يكون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك إلى أحد المقار الأممية خارج الولايات المتحدة، ومن المرجَّح أن يُعقَد الاجتماع في جنيف حال الابقاء على ذلك الخيار الذي يأتي قياساَ على ما تم مع أبو عمار في 1988 حين نُقلت الجمعية العامة اجتماعاتها لجنيف للقفز على الرغبة الأمريكية حينها في فعل مشين في ذلك الاتجاه بمنع الزعيم ياسر عرفات.

البعض يطرح خلافاً بين الموقفين؛ إذ أن أبو مازن يمثل رئيس دولة فلسطين بينما كان ياسر عرفات آنذاك فقط رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لكن يبقى السؤال الحاضر والأهم؛ هل للقانون الدولي موقفاً مما يجري؟ والجواب هو أن ما جرى من واشنطن هو مخالفة قانونية صريحة لاتفاقية المقر التي ترفع عن واشنطن الحق في المنع للممثلين الدبلوماسيين للدول، وهنا يبقى الحق حاضراً للأمم المتحدة فضلاً عن الدولة الفلسطينية للمراجعة القانونية لموقف واشنطن، وإن كان ذلك ليس وارداً عملياً.

لكن إجمالاً، يبقى البحث قائماً عن النتائج الإجمالية للاعتراف بالدولة الفلسطينية إذ أنه ثمة ما يزيد على 100 دولة من مختلف قارات العالم وعدت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على وجهين؛ أحدهما مفتوح دون شرط وهو تيار تتزعمه فرنسا، وتيار آخر اشترط للاعتراف استمرار إسرائيل في حربها مع غزة، ولعل حالة المنع للوفد الفلسطيني من الحضور وما شابه من مناوشات سياسية وإعلامية، من الوارد حال التركيز عليها أن يأتي ذلك بنتائج أكثر إيجابية من قِبل الدول كافة حيث ستزيد عملية الاعتراف من قبل تلك الدول مجتمعة وهو الهدف الذي نرجوه جميعاً.

تم نسخ الرابط