دور منظمة التعاون الإسلامي فى إدارة الصراعات فى الشرق الأوسط

مركز سياسات للبحوث والدراسات الاستراتيجية

فرضت التطورات الدولية فيما بعد الحرب الباردة حتمية النظر فى أهمية تأسيس "تكتلات نوعية" لتنظيم العلاقات بين الدول فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبما يُلبى مصالح ورغبات الأعضاء فى ظل مجمل التفاعلات القائمة والمُحتملة بمختلف الاقاليم الفرعية للنظام العالمى. 

وعليه، كانت الحاجة لـ "تكتل إسلامي" أصبح فيما بعد نواة لنشأه "منظمة التعاون الإسلامي" والتى جاءت كإستجابة حضارية لمختلف التحديات التى يواجهها العالم الإسلامي لاسيما فى عصر التكتلات الدولية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وما أفرزته تشابكات العولمة من إزدواجية فى المعايير تُنذر بتهميش وتهديد مصالح وأهداف دول العالم الإسلامي، مثل: منظمة الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبى. 

ومن ثم، جاءت الأهمية للوقوف حول أبجديات التكوين لـ"منظمة التعاون الإسلامي"، والسياق التنظيمي والقانوني الحاكم لأدوارها - كثانى أكبر المنظمات الدولية - فى إدارة الصراعات المتباينة والمتشعبة لتضفى مزيدا من التساؤلات حول آلية الإدارة، ومدى نجاعتها فى إحتواء التهديدات السياسية والأمنية بدول الصراع، خاصة للدول الأعضاء بالمنظمة فى منطقة الشرق الأوسط وأبرز التحديات التى تحيط بها، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية: 

ماهية منظمة التعاون الإسلامي

ترجع الإرهاصات الأولى لتشكيل تجمع إسلامي إبان اجتماع بعض القادة فى العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1954 والحديث حول احياء فكرة "المؤتمر الإسلامي" وإعداد مشروع ميثاق تأسيسي لمنظمة إسلامية هدفها الرئيسي تجسيد التقارب الإسلامي. وعقب ركود دام لما يزيد عن عشر سنوات عُقدت "القمة الإسلامية" فى العاصمة الرباط عام 1969 فى أعقاب الاعتداء اليهودى على المقدسات الإسلامية وكرد على جريمة حرق المسجد الأقصى من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتم الإعلان عن إنشاء "منظمة المؤتمر الإسلامي".  

تلى ذلك انعقاد أول "مؤتمر إسلامي" لوزراء خارجية الدول الأعضاء فى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية إذ تقرر بموجبه إنشاء أمانة عامة يكون مقرها بالمدينة نفسها، ويرأسها أمين عام للمنظمة. ثم تم تغيير اسم المنظمة من "منظمة المؤتمر الإسلامي" إلى "منظمة التعاون الإسلامي" في يونيو 2011 خلال الاجتماع الـ 38 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء، لتضم بعضويتها 57 دولة ذات غالبية مسلمة، تتمثل جغرافيا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغربها، وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية باستثناء (غويانا وسورينام)، والبوسنة وألبانيا.

الجدير بالذكر، تُعد منظمة التعاون الإسلامي أحد أبرز "المنابر الدولية" لتعزيز ثقافة الحوار بين الدول أعضاء المنظمة، كما أنها تضطلع بتكثيف التعاون والتضامن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومكافحة الإرهاب والتطرف. فضلاً عن دعمها لجهود تحقيق السلام والاستقرار الاقليمي والدولي، كما تسعى إلى حماية حقوق ومصالح الشعوب الإسلامية.

هذا، وتحدد المادة (2) من ميثاق عمل المنظمة عدد من الأهداف التى تُشكل في مضمونها خارطة التحرك الرئيسية انطلاقاً من كونها تمثل التكتل الأكبر داخل مجموعة عدم الانحياز ومجموعة الـ77، وتتفرد بأنها التجمع الديني الأكبر أممياً، وذلك على النحو التالي: 

  • تكثيف وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء.
  • التصدي لتشويه صورة الإسلام.
  • تشجيع الحوار بين الحضارات والأديان.
  • مكافحة الإرهاب والتطرف.
  • تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاجتماعية والثقافية والإعلامية، وكذا التشاور بين الأعضاء فى المنظمات الدولية. 
  • دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير، وإقامة دولة ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف. فضلاً عن الحفاظ على الهوية التاريخية والإسلامية للقدس وعلى الأماكن المقدسة فيها.
  • العمل على استعادة السيادة الكاملة ووحدة أراضي أية دولة خاضعة للاحتلال، وذلك استناداً إلى أحكام القانون الدولي، وكذلك التعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية ذات الصلة. 

تأسيساً على ما سبق..فقد يُلاحظ أن منظمة التعاون الإسلامي تستقي فلسفتها السياسية من ثلاث مصادر رئيسية، حيث: 

  •  المباديء الإسلامية التى تستقى بها العلاقات البينية للشعوب الإسلامية بعضها ببعض، وما يتبع ذلك فى نهج العلاقات الدولية ومباديء السلم والتقارب والتعاون بين كافة الشعوب. 
  •  ميثاق الأمم المتحدة ومقاصدة - خاصة المادة (52) - التى تنص على حفظ السلم والأمن الدوليين، وكذا التعاون بين كافة دول العالم. 
  • ما تشير إليه مباديء حركة عدم الإنحياز، والتى تم تأسيسها بشكل خاص لتضم دول العالم الثالث (وهي التكتل الذى ينضم إليه كافة الدول الإسلامية اليوم). 

ملامح الدور

تباينت "الأدوار المؤسساتية" و"البصمة التنظيمية" فى دعم عمليات فض النزاعات وحفظ السلام، وذلك انطلاقاً من مبادئ الدول الأعضاء بـ "منظمة التعاون الإسلامي"، وذلك على النحو التالى: 

  • المساواة التامة بين الدول الأعضاء.
  • احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأعضاء.
  • احترام حق سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دولة عضو. 
  • حل ما قد ينشأ من منازعات فيما بينها بحلول سلمية كالمفاوضات أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم. 
  • امتناع الدول الأعضاء فى علاقاتها عن استخدام القوة أو التهديد باستعمالها ضد وحدة وسلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة عضو. 

اتساقاً مع ذلك دعمت المنظمة فرضية إنشاء أدوات تنظيمية تسهم فى "إثراء الدور"، أبرزها: إنشاء مجلس للسلم والأمن، تفعيل محكمة العدل الإسلامية للبت في النزاعات التي تنشب بين بلدان العالم الإسلام، خلق آلية تنظيمية لحماية الأمن الجماعي للدول الأعضاء. فعلى سبيل المثال: تدخلت المنظمة بشكل فعلى فى خمس نزاعات دولية فقط من عموم النزاعات بدول منظمة التعاون الإسلامي، كالنزاع بين العراق والكويت (1990-1991) والنزاع بين العراق وإيران (1980-1988). بينما النزاعات الأخرى فقد امتنعت المنظمة عن التطرق إليها باعتبارها تابعة لمنظمات اقليمية ودولية متخصصة، مثل: جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية نظراً لأن كثيراً من النزاعات تدخل فى إطار الاختصاص الاقليمي الذى لا يجعل لها أولوية التدخل، لذلك تدخلت المنظمة فى النزاع بين العراق وإيران لكونه لا يقع ضمن أية دائرة إختصاص دولية أو إقليمية. فضلا عن ذلك، فإن مختلف المنظمات الاقليمية الدولية تعتبر عضواً مراقِباً لدى منظمة التعاون الإسلامي مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية على نحو ما يدفع بتشعب وإثراء الأدوار لمنظمة التعاون الإسلامي، والتىي على الرغم من تباينها فى الأونة الأخيرة إلا أنها لا تخرج عن إطار بيانات الإدانة والإحاطة دون الصفة الإلزامية فى أغلب الصراعات القائمة حالياً بالدول المأزومة بالشرق الأوسط. 

تحديات قائمة

بالإشارة إلى ما غدت إليه منظمة التعاون الإسلامي مؤسسة دولية عاجزة عن إحداث تأثير حيوي بالصراعات ذات الثقل (مثل الصراع القائم بقطاع غزة، ولبنان، سوريا، اليمن، ليبيا)، فضلاً عما يتعلق بهشاشة عملية "الإنذار المبكر"، وما يتعلق بالعجز عن إيجاد مواقف مشتركة نافذة لتطويق التدخلات الخارجية. على نحو ما يفرز عدد من التحديات تحيط بالدور المؤسسي لمنظمة التعاون، وذلك على النحو التالي: 

  1. تحديات داخلية: إذ تعانى أغلب مجتمعات دول العالم الإسلامي من تهديدات متباينة لاسيما التطرف، والعنصرية الاثنية، والتعصب المذهبي، والاستبداد، الفساد، التنمية غير المؤسسية، فضلاً عن مشكلات تتعلق بغياب الشفافية فى طرح المشكلات الداخلية وحلها. 
  2. تحديات خارجية: تتعلق باستهداف دور وموقع ومكانة العالم الإسلامي على خريطة النظام العالمي الجديد قيد التشكيل، وذلك بالنظر إلى تنامى مستويات التدخل الخارجي مما أفرز صراعات متباينة خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، مثل الصراع فى سوريا والعراق نتيجة لتقاطع الأجندات الخارجية.
  3. تحديات مؤسساتية: تتعلق تلك النقطة بإشكالية توحيد القرار السياسي، والذى يُعد ضرورة إستراتيجية لدى دول أعضاء المنظمة. إذ أن الاستعانة بالدول غير الإسلامية فى حل الأزمات الراهنه من شأنه أن يهدد وحدة المنظمة. فعلى سبيل المثال: بات تحالف بعض الدول الإسلامية وإحتكار القرار السياسي هو أحد الأسباب التى ساهمت فى هشاشة الموقف الإسلامي وتضارب المصالح التى تجعل وحدة المنظمة في تحدى قائم. 

بالسياق ذاته.. فإن غياب الانسجام الاستراتيجي بين أجندات الدول الأعضاء بالمنظمة، فضلاً عن تخبط الأهداف واختلال المباديء نتيجة تأزم الأوضاع السياسية والأمنية بأغلب دول المنظمة فى ظل ضبابية الأفق السياسي للقضايا الاقليمية (مثل حالة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 وارتداداتها على تنامي الجبهات الصراعية بالشرق الأوسط)، والذي يُشكل بدورة أبرز التحديات التى تواجهه "فاعلية الدور" بالمنظمة. 

توصيات عامة

ثمة عدد من التوصيات لضمان إثراء الأدوار المتباينة لـ "منظمة التعاون الإسلامي" وترسيم فرص يُحسن استثمارها فى إبراز بصمتها النوعية فى إدارة الصراعات القائمة خاصة تلك المتشابكة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث أبرزها: 

  • حظر أي تدخل للدول الخارجية، وكذا المؤسساتية، لاسيما "مجلس الأمن" في الشؤون الخارجية للعالم الإسلامي، فعلى سبيل المثال: من المهم طرح فكرة "عضوية فاعلة" للتكتلات بمجلس الأمن تمتلك حق النقض "الفيتو" بما يعكس الثقل الاقتصادي والسياسي للدول الأعضاء بالمنظمة، دون الاكتفاء فقط بحضور أعمال المجلس. 
  • إنهاء كافة الخلافات البينية والداخلية بين الدول الأعضاء، دون استحضار إملاءات خارجية دولية أو مؤسساتية، أو ضغوط داخلية. 
  • خلق آلية تصويتية متوازنة داخل المنظمة، تعمل بشكل حيادي، وذلك عبر إصلاح منظومة العمل الداخلي للمنظمة، وكذا تحديث الجهاز الإداري لمختلف الهياكل الرئيسية للمنظمة بما يتوافق مع التطورات القائمة بالنظامين الاقليمي والدولي.  
  • أهمية تفعيل "التكامل الاقتصادي" بين الدول الأعضاء. فعلى سبيل المثال: لاتزال المعاملات التجارية والاقتصادية خاضعة لمزايدات البنك الدولي، منظمة التجارة الدولية، صندوق النقد. مما قد يجعل المنظمة تابعة وذلك بالنظر إلى تنامى مؤشرات "الهشاشة الاقتصادية" التى يعانى منها الدول الأعضاء. 
  • أهمية الإنتهاء من تفعيل "محكمة عدل إسلامية"، تكون لها صفة "السيادة"، وصفة "الإلزامية"، وذلك بمعزل عن التأثيرات الدولية الداخلية والخارجية. 

 

تأسيساً على ما سبق.. يؤسس التراجع فى "فاعلية الدور" لمنظمة التعاون الإسلامي بالتفاعلات الصراعية القائمة بمختلف دول الأقاليم الفرعية حيز الميثاق، أهمية النظر فى إعادة فتح ملف الإصلاح، بداية من النظر نحو إعادة هيكلة الميثاق بما يتواكب مع مستجدات الوضع الراهن على مستوى النظام الدولي الجديد قيد التشكيل وأقاليمة الفرعية، أو فيما يتعلق برهانات الدول الأعضاء ومدى جدية "الإرادة اللازمة" لوحدة العمل الإسلامي المشترك، وذلك فى ظل العديد من التحديات التى تواجهه عمل المنظمة - خاصة بالحيز الجغرافى لمنطقة الشرق الأوسط – وذلك بالنظر لإعادة تموضع القوى الدولية والاقليمية بمحيط التفاعلات القائمة والمُحتملة، فضلاً عن استمرار أزمات الداخل بالدول الأعضاء عقب الانتفاضات العربية، وما خلَفه من أزمات تتعلق باكتساب الشرعية والهوية ونمذجة الطائفية وغيرها من عوامل تؤشر نحو تنامي هشاشة الدول، وتراجع تفاعلها مع جهود منظمة التعاون الإسلامي نحو خلق مساحات مشتركة بين الأطراف الفاعلة لتسوية الصراعات على نحو ما يدفع برهانات حول "مستقبل الدور" فى ظل إعادة تشكيل خريطة التكتلات اتساقاً مع حالة التطور بالتفاعلات الصراعية على المستويين الاقليمي والدولي.   

تم نسخ الرابط