قمة تيانجين 2025: قراءة في الدلالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية
المستخلص
تعد قمة تيانجين 2025 مسار هام نحو إعادة تشكيل النظام الدولي، حيث جمعت أكثر من عشرين زعيماً وممثلي عشر منظمات دولية، وأظهرت بوضوح رغبة بكين في تحويل المنتدى من إطار تنسيقي محدود إلى منصة ذات وزن جيوسياسي واقتصادي متنامٍ. تميزت القمة باعتماد "استراتيجية تنموية للعقد القادم" التي استهدفت تعزيز التعاون في الطاقة والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، إلى جانب رسائل سياسية أبرزها لقاء شي–مودي الذي عكس اتجاهاً لتخفيف التوترات الحدودية وفتح قنوات توازن جديدة. كما أكدت القمة عمق التنسيق الروسي–الصيني في مواجهة الضغوط الغربية، فيما منح حضور الأمين العام للأمم المتحدة شرعية دولية إضافية. إقليمياً، برزت مشاركة مصر وتركيا كدليل على اتساع نفوذ المنتدى في الشرق الأوسط. ورغم محدودية قدرته على إنتاج مواقف موحدة، إلا أن القمة رسخت مسار التعددية القطبية كخيار واقعي، ووفرت للدول المتوسطة فرصة لتوسيع خياراتها الاقتصادية والسياسية بعيداً عن الاصطفافات الحادة.
مقدمة
شهدت مدينة تيانجين الصينية في أواخر أغسطس وأوائل سبتمبر الجاري، انعقاد قمة وصفت بأنها إحدى أبرز المحطات الدولية لهذا العام، ليس فقط لحجم الحضور وكثافته، وإنما أيضاً لما حملته من دلالات استراتيجية عميقة تكشف عن اتجاهات النظام الدولي في طور تشكله الجديد. إذ جمعت القمة أكثر من عشرين زعيماً وممثلي عشر منظمات دولية، لتتحول من مجرد ملتقى إقليمي إلى منصة متعددة الأطراف تعكس موازين القوى الجديدة وتستجيب للتحولات المتسارعة في السياسة العالمية. وقد جاءت القمة في لحظة تتقاطع فيها أزمات كبرى، من تصاعد الصراع التكنولوجي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، تفاقم التحديات الأمنية الممتدة من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي، وتنامي ضغوط التغير المناخي وأزمة سلاسل التوريد. كل ذلك جعل من تيانجين ساحة اختبار لقدرة الصين على بلورة إطار بديل أو موازٍ للنظام الدولي التقليدي، وعلى جذب شركاء يسعون إلى تقليل اعتمادهم على المنظومة الغربية.
الملمح الأبرز في القمة تمثل في وضوح الرؤية الصينية الهادفة إلى منح المنتدى وزناً أكبر في هندسة النظام الدولي المتعدد الأقطاب، حيث أعلنت بكين جدول أعمال واسع يتضمن اعتماد "استراتيجية تنموية للعقد القادم" بما يشمل قضايا الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة والتكامل المالي. بهذا المعنى، لم تعد القمة مجرد واجهة رمزية بل محاولة لتثبيت أسس تعاون طويل المدى، يمكن أن يوفر للدول المشاركة مظلة مؤسسية جديدة تتجاوز الارتجال وتمنح قدراً أكبر من الاستقرار في العلاقات الاقتصادية والأمنية. وإلى جانب الأبعاد الاقتصادية، عكست اللقاءات الثنائية –خاصة لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي– إدراكاً لدى القوى الكبرى في آسيا بضرورة احتواء التوترات وإيجاد توازنات تحول دون استنزاف داخلي يضعف موقعها في مواجهة التحديات العالمية.
وعلى المستوى الدولي الأوسع، مثلت القمة تجسيداً لرغبة روسيا والصين في بناء شبكة تحالفات تعزز من قدرتيهما على المناورة في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية. فحضور الرئيس فلاديمير بوتين جاء بمثابة رسائل مفادها أن موسكو لا تزال تمتلك مساحة واسعة من الشراكة الدولية رغم محاولات عزلها، وأن بكين تمنح روسيا غطاءً سياسياً واقتصادياً يعزز قدرتها على الصمود. في المقابل، وفر الحضور الأممي المتمثل في الأمين العام أنطونيو غوتيريش شرعية دولية إضافية للقمة، بما يمنح الصين ورقة تستخدمها لتأكيد أنها ليست خصماً للغرب بقدر ما هي قوة تسعى لصياغة نظام أكثر توازناً وشمولاً. وهكذا، جاءت قمة تيانجين كعلامة فارقة بين الطابع التنسيقي الرمزي الذي ميز قمم سابقة، والانتقال إلى مستوى أكثر عمقاً في بناء مؤسسات بديلة أو موازية للنظام القائم، وهو ما يمنح هذه القمة قيمة خاصة في سياق النقاشات الراهنة حول مستقبل التعددية القطبية.
لتحمل االتقرير كامل - اضغط هنا
